عبث


عَبَ ثْ
لي صديق إن كف الناس واستكانوا كلهم خاضعين مسلسلين فهو لن يستكين ابدا ولن تهدأ ثورته ..
 ثائر للجمال وللطبيعة ثائر لم يهدأ حتى يقتص .. يعيش في كبد بحثا عن الهدوء
فهو غريب الأطوار في شكله يشبهني قليلا يحمل ملامح مصريه وكأنها نقشت من عصر بائد ..
 ليس حجرًا..
 بل كيان مفعم بالطاقة  يأبى الإستسلام يأبى الخضوع ويرفض كل محاولاتي لاحباطه .. 
يبهرني احيانـًا لا اقدر ان اناقش غيره ويصل الحديث الى اسمى درجات الرقي  ..
يفهمنى لا يرد حديثي سلبـًا .. لا نحتاج عقرب ساعة حتى نلتقي اراه دائمـًا صدفة
اراه امامي في اصعب اوقات وحدتي .. لا يتأخر لاُنسي
اراه جانبي في اشد اوقات سعادتي .. يشاطرني دمعات فرحي  
اراه خلفي في مواجهه مصائب الدنيا .. يشدد على ازري
هو ساحرني   
متمرد ..عفوي.. قامته قصيرة.. لا يقبل كل ما هو قبيح ..
 كل خلية منه تقطر احساس حين يمشي في هدوء أشعر ان الورود انتثرت وراءه ..
 حين يبدأ الحديث يُـثري روحي بهجة..
مجنون احيانًا تلزمه كلمه لا تغادر فمه ..
حين اسأله ما رأيك في تلك المعركة الإنتخابية يقول لي عبث !!
اعرف افكاره لكني تفاجئت ما العبث في ذلك ؟؟   
- عبث .. كل لوحاتهم الانتخابية تُرهق عيني وتبعث على نفسي الضيق اشعر انهم ذئاب يأتون في قطيع يمرون ببلادنا ينتهكون حرمة شوارعنا ويصبون في انفسنا الامل ألا يأكلون وليمتهم غدًا من اعضائنا ..
ألا يُجدر بهم ان يقطعوا فراءهم لنا بدلا ان يقطعوا هم جلودنا ..
افضل دائما ان اكون مستمعة مشاهدة جيدة و ناقدة بارعة لا ارد عليه ابدا..
 فلربما احرجه بصمتي كي يكف ..
اقابل كلامته بوجه بارد لا ينمو به زرعة ولو انهالوا ببذور اطيب الفاكهة واسرعها نموا..
 ولو اعتنوا به عناية الشمس حين تغرق ارضنا حُبًا ..
  اقف وحدي لا أبالي بنظرات أوغاد .. اقف على شاطىء البحر اتأمل .. سرحت حتى وصلت لنقطة أفاقي وكأني امشي على الماء .. أنظر تحت قدمي أجد اسماكا .. احدقها في غيظ اغير منها بل احسدها كيف لكي هي القدرة العجيبة على العيش في عالمك ألا تملين !!
 في الحقيقة تمنيت لو تسحب يدي واحدة وتأخذني معها لعلها تعرفني على بوسيدون لا أؤمن به ولكن ليت الأساطير تصدق معي فيحولني إلى جنية بحر لها ذيل ذهبي او فضي ليناسب زرقة الماء ..
احس ان شئ ما تعلق في قدمي احاطها مستني فشعريرة في كل جسدي لا اريد ان انظر شيء ما هلامي يفرد زراعه ولا يريد ان يترك قدمي اقف خائفة اقف مشمئزة وكأنها حطام وبقايا سفينة كبيرة ترسى في عجرفة في مناءنا ولا تستحى ان تنشر مخلفاتها حولنا
-        عبث .. اجده صوت من خلفى .. ظهر في ثبات كأنه جاء من العدم ليطمئنني بأنه شيء راحل..
بل.. نحن الراحلون لعالم اكثر نظاما لانه ليس تحت سيطرة بشر ..
اصرخ فيه لا تحملني فوق طاقتي .. لما لا تستسلم وتعتقني .. هدوءك هذا يثير أعصابي
نظر لي قي شفقه وجدته يبعد عني وأحسست ان روحي تنسل من جسدي ما لبث حتى وجدتني امشي وراءه لم اكن على الماء لان حتى الماء سطحه منتظم..
 تضيق روحي قبل ان تضيق الشوارع .. كل شق يلتوي فيه كعبي على الارض يصير شق في صدري امشي وراءه استغيث به امشي وكأنه يطلعنى ويعرفني على القبح ذاته ذلك الذي كنت اواريه اخفيه في روحي .. جنين مشوه لا يريد اباه ان يستقبله.. اطلع على جدران ملئتها ألوان مصطنعه صنيعه انثى اسمًا تكسو وجهها بمحسوق اسمنتى منتهي صلاحيته لكنه ملون وتغطي جفنها بمحلول حجر جيري ابيض كالذي يملئ اعمدة البارثينون ..
 اظن الشوارع خضراء يكسوها ورد أحمر خجلا من نظرة معجبيه هكذا رسمتها في خيالي لكن وجدتها لوحة فسفورية تتعب عينى اضواء ملونة يتخللها وميض لوحات اعلانية لا ولن تمر على يد فنان ..
اشعر ان الحوائط يخرج منها روؤس بشر لا اريد ان امعن النظر حتى لا اخاف اكثر .. روؤس اسنانهم مكسورة.. تتدلى جفونهم العليا لتغطى نصف اعينهم , حمراء يُبعث فيها الشر بعثًا.. تنظر في غيظ في عند في شماته .. تكسرت تحتهم كل السهام الذهبية التي ارادت قنصهم ..
وجدت بئرًا ماءه مخلوط بماء الذهب استحوذ عليه تجار يبيعون الهواء بعد ان يستنشقوه - مستأذبين على هيئة بشر- سيشربون دماء الناس احياء يوما ما ..
 اقنعوا زبائنه ان هذا الذهب سام يسبب امراض هلامية فيعطونهم مننـًا وأذى الماء بعد ان يصفونه من الذهب وكلما تجرع الناس من البئر كلما زادت الألوان الفسفوريه في عيني..
 الى الأن لم يتعبني شيئا الى ان رايت شجرا تساقطت اوراقه تقف منحنية قليلًا هزيلة لا تقدر على الرحيل .. تتنفس في بطيء كانها تحتضر اسودت افرعها مما تتجرعه وكأنها من نسل شجرة الزقوم .. بداخلي احساس اني يجب ان اخلع معطفي لاغطيها ..

ركدت إلى الميادين الكبرى اتوسل صاحبيها اغيثونا  ..
وصديقي يرمقني في شفقة اشعر اني تقمصت شخصيته اتحدث بلسانه اذكر كلماته ..
- سيدي ,, ألا ترى انك تعتلى فرسًا قوي لم يعده فنانه كي يبقى بقاء سفينة عطلت على بعد ميل من  ميناءها
ألا ترى ان مقاييس جسدك تتناسب تمامًا لتُلائم ظهر فرس سيادتكم رأيت يوما تمثال لصانع هذه البلدة نفسه وجدت جسده لا يلائم فرسه مُهدى لميدان في بلدي كمن يتصدق بطعام فاسد ارهقه الذباب ..
 وادركت انه لم يرى ذلك التمثال كما لم يرى بلد اصطنعها على عينه قط !!
سيدي فرسك رضى ان تعتليه لتزيده ثقة ليرمح في بلاد الله " إذا لم تشاهد غير حسن شياتها ... وأعضائها فالحسن عنك مغيب "
لما نويت الصراخ وجدتني اصرخ في صوت مجروح .. مكتوم .. في صوت مكلوم .. اصرخ وكانني اشاهد نفسي وكانني تجسدت في هيئة شخص لا يملك إلا الصراخ ..
واردفت صراخا ..ألا ترى انك في وضع الاستعداد " له فضلةٌ عن جسمهِ في إهابهِ  تجيء على صدرٍ رحيبٍ وتذهب" فلا تغمض سيفك من الآن لا تدع فرسك يستسلم لحجره
هم لا يبالون بوجودك فجرت فينا معنى الحداثة سلفًا فلماذا تتركنا الآن بلا هوية !!
انتفض وإلا سينزلونك من فوق فرسك ويسلخونه ويأكلونه حي .. وكأنه عبثًا ..

صرخت و تـألمت وانا لا القى ردًا لم يخرج عن كونه تمثالًا أصرخ كأن صوتي لم يتخطى حنجرتي ..
تداركت نفسي ولملمتها واخذت امشى وجدت ميادن اخر يبعد حوالى مئة عام اكثر حداثة لكنه مخنوق وجدت صاحبه شامخا عاليا علو طاووس يقف بين دجاجات ربيت على سطح منزل خشبي .. يقف ولا يبالى بمن تحته ينظر في تمعن على شاطئ البحر نظرته تصل الى حدود بلاد اخرى يقف وكأنه زعيم يستقبل اسطول بلاده الذي غادر يسترد كرامة وطنه ..
-ايها الزعيم وقفتك تملك ان توقظ بلاد اتعبها العبث تقف في صمتك شامخا تثق باستقامتك ومطمئن بغطاء رأسك .. فلما لا تشاركنا اريدها ثورة ضد الفساد ضد كل ما يثير عيني فيصيبها باعراض تلوث بصري حاد مع جفاف يسبب صراخا للمشيمة يتبعها حاوية دموع تندثر تحت جفوني .. ثورة ضد مكيفات شعبية كلمات يصيغونها في تلوث ذوق سمعى لا معنى لها يدعون باطلا انها من صنع الفن.. غير اني اراها من صنع شياطين اتموا مهمتهم على اكمل وجه لدرجة ان ذهدوا في عملهم واصبحوا يصيغون كلمات تُذهب العقل وقت فراغهم ..
اريدها ثورة ضد اللاهوية..
أين ميادينك يا مدينتي؟؟
 أأحتلها غزاة واستباحوا لانفسهم ما حرمت على نفسي !!
أريد احد ان ينتزع منى حسي و روحي ارهقتني.. واتعبتني ان كانت متمردة وايقظتني على ألم ان كانت مستسلمة خائبة ..
اريد أُكسير يأخذني منى ان كان لا يذهب العقل فإنه مباح .. فأريده فقط يُذهب قلبي يضع عني احساسي يواسي قلبي الدامي يصادقه فيصالحني عليه حين ينسى ..
اتعبني صراخي ونواحي .. اصبحت وحيدة تركني صديقي اردت مكان تهدأ فيه روحي غير غرفتي ذهبت إلى مكان يملئني ايجابية ورحمة رغم تناثر شحنات سلبية على ارضه من اثر لمس جباه مُرتاديه..
ألقيت كل همي خارجه كأنني دخلت ثوب ابيض تخللت في نسيجه والبستني حارساته ثوب ابيض كالثلج او اكثر بياضا ..
جلست على الارض جاءني صوت يذكرني بالودود يذكرني بربي ..يتحدث عن خلق الكون ينطق كلماته في هدوء ثم في حماسه ثم في لطف يتحدث بيقين كأنه يضع اول اصابعه في الجنة تحدث عن خلق السماوات والارض تحدث عن انهم كانوا سرابا كانوا دُخانا.. وفي ستة ايام استوا فخيروا أيأتون طواعية ام يأتون مرغمين فانحنوا في خشوع وقبل ان يجيبوا اقبلوا طائعين .. يتحدث برحمة عن إله رحيم يصور لي مخلوقات اراها كل يوم ابهرتني صورها من يد بشر فما بالك بيد الوهاب .. وقال كأنه يقصدني وان كنت يحيطك ركاما من كل مكان وتخنتق من اثر بنايات تعمدت ان تحجبك جمالها والتحفت بالسواد كما انها حجبت عنك زرقة السماء فلا تبالي بأمرها ارفع رأسك حتى تجدها ستجدها صافيه بلا مطبات صناعية او الوان فسفورية..
 لن تتنازل يوما عن بهجتها سيأخذك صفاءها.. لا تبالي بأي عبثٍ ..
 وجدتني ابكي مرة اخرى لكن لم يتعبني البكاء هذه المرة ..ربي أمات الخجل والاحساس حولي..
 وحبك انت احياني !!
نظرت بجانبي وجدت الابواب اغلقت ورأيت صديقي على يميني كيف صرخت في نفسي كيف لهذا المخلوق ان يتعدى حواجز الحياء ويصل إلى هنا ؟؟ لماذا لم توقفه الحارسات ؟؟ لماذا دائما يخترق حواجز وحدتي .
كنت انوي ان اصفعه قلما يعرف بها قدره ليبعد عني .. لكني انا التي صُفعت دققت في ملامحه وجدته يحمل ملامح أختِ ارتميت في احضانها قبل اان اسأل كيف وصلتِ إلى هنا هل تجاوزت محيطا و بحريين وبلاد السند والهند كي تشاطريني احساسي فقط !!
نظرت في وجهها وجدته وجه صديقتي لم اتعجب لاني اعتاد وجودها حولي !!
حين اردت سؤالها وجدت في يدها مسبحة امي !! هي أمي اردت ان اختبئ بها لكني سقطت ارضا ..
سقطة ملكت بها نفسي لا احد غيري!! وكأنه واجهني بأمره ..
موجات كهربية حادة نفضتني ودارت في رأسي لعبة دوارة في اكبر مدينة ترفيهية بأطفالها وهم يصرخون.
نعم لا أحد غيري ولم اكن مع صديق منذ الصباح .. فانا لا اتخذ اخدان !!
كنت مع نفسي فهي لا تلبث ان تذكرني بما اخفيه حتى عن حالي .. اخفى عن نفسي روحي حتى لا يصيبني الاكتئاب في صراع معها دائما بين الجمال والواقع ..
وكأننا شخصيتين ..  
نصارع بعضنا عبثــًا.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ديسمبر .. صدفة حياة

حلم

مني و إليك